فصل: بَابُ الْوَلَاءِ الْمَوْقُوفِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ وَلَاءِ الْمُكَاتَبِ وَالصَّبِيِّ:

(قَالَ): رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَإِذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدًا كَافِرًا، ثُمَّ إنَّ الْمُكَاتَبَ كَاتَبَ أَمَةً مُسْلِمَةً، ثُمَّ أَدَّى الْأَوَّلُ فَعَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَاهُ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ، وَنَسَبُ الْكَافِرِ قَدْ يَكُونُ ثَابِتًا مِنْ الْمُسْلِمِ، فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ إذَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ؛ وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ، وَأَصْلُ الْمِلْكِ يَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ فَكَذَلِكَ أَثَرُهُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَرِثُهُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لَهُ فِي الْمِلَّةِ، وَشَرْطُ الْإِرْثِ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمِلَّةِ، وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ جِنَايَتَهُ؛ لِأَنَّ عَقْلَ الْجِنَايَةِ بِاعْتِبَارِ النُّصْرَةِ، وَالْمُسْلِمُ لَا يَنْصُرُ الْكَافِرَ، فَإِذَا أَدَّتْ الْأَمَةُ فَعَتَقَتْ فَوَلَاؤُهَا لِلْمَكَاتِبِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى مِلْكِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَثْبُتَ الْوَلَاءُ لَهُ لِكَوْنِهِ حُرًّا، وَكَمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ، أَوْ يُعْتَبَرُ بِالنَّسَبِ، وَنَسَبُ الْمُسْلِمِ قَدْ يَكُونُ ثَابِتًا مِنْ الْكَافِرِ فَإِنْ مَاتَتْ فَمِيرَاثُهَا لِلْمَوْلَى الْمُسْلِمِ، وَإِنْ جَنَتْ فَعَقْلُ جِنَايَتِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ مَوْلَاهَا وَهُوَ الْمَكَاتِبُ الْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَرِثَهَا، وَلَا أَنْ يَعْقِلَ جِنَايَتَهَا فَيُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ مُعْتَقُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي وَلَاءِ مُعْتَقِهِ فِي حُكْمِ الْإِرْثِ وَعَقْلِ الْجِنَايَةِ، فَهَذَا مِثْلُهُ.
(فَإِنْ قِيلَ): فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي إثْبَاتِ الْوَلَاءِ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ وَلِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ لَا يَرِثُهُ وَلَا يَعْقِلُ جِنَايَتَهَا بَعْدَ ذَلِكَ.
(قُلْنَا): أَمَّا فَائِدَتُهُ النِّسْبَةُ إلَيْهَا بِالْوَلَاءِ كَالنَّسَبِ، مَعَ أَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يُسْلِمُ فَيَرِثُهُ وَيَعْقِلُ جِنَايَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَبَعْدَ الْإِسْلَامِ قَدْ ظَهَرَتْ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا أَنَّ الْمَوْلَى الْمُسْلِمَ مُعْتِقُهُ فَيَرِثُهُ وَيَعْقِلُ جِنَايَتَهَا عَاقِلَتُهُ.
رَجُلٌ بَاعَ مُكَاتَبًا فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ نَفْسَهُ بِالْكِتَابَةِ، وَفِي بَيْعِهِ إبْطَالُ هَذَا الْحَقِّ الثَّابِتِ لَهُ، وَقَدْ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يَدًا فَلَا يَقْدِرُ الْمَوْلَى عَلَى تَسْلِيمِهِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَمَالِيَّةُ رَقَبَتِهِ صَارَ كَالتَّاوِي؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ دُونَ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَبْضُهُ بَاطِلٌ وَهُوَ مُكَاتَبٌ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ كَالْحُرِّ وَالْبَيْعُ لَا يَنْفُذُ بِدُونِ الْمَحَلِّ، وَالْمِلْكُ لَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ مُنْعَقِدًا، فَلِهَذَا كَانَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي بَاطِلًا، وَإِنْ قَالَ الْمُكَاتَبُ قَدْ عَجَزْت، وَكَسَرَ الْمُكَاتَبَةَ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى، فَبَيْعُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ بِأَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ، فَإِنَّمَا صَادَفَهُ الْبَيْعُ مِنْ الْمَوْلَى وَهُوَ قِنٌّ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْمُكَاتَبُ بِرِضَاهُ يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ؛ وَلِأَنَّهُمَا قَصَدَا تَصْحِيحَ الْبَيْعِ، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ إلَّا بِتَقْدِيمِ فَسْخِ الْكِتَابَةِ فَيَتَقَدَّمُ فَسْخُ الْكِتَابَةِ لِيَصِحَّ الْبَيْعُ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَا فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ.
رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ وَهِيَ حَالَّةٌ فَكَاتَبَ الْعَبْدُ أَمَةً عَلَى أَلْفَيْنِ، ثُمَّ وَكَّلَ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ بِقَبْضِ الْأَلْفَيْنِ مِنْهَا عَلَى أَنَّ أَلْفًا مِنْهَا قَضَاءٌ لَهُ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ فَفَعَلَ، فَإِنَّ وَلَاءَ الْأَمَةِ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى وَكِيلُ عَبْدِهِ فِي قَبْضِ الْأَلْفَيْنِ مِنْهَا فَتُعْتَقُ هِيَ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ، ثُمَّ الْمَوْلَى يَقْبِضُ إحْدَى الْأَلْفَيْنِ لِنَفْسِهِ بَعْدَمَا يَقْبِضُهُ لِلْمُكَاتَبِ، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ عِتْقَهَا يَسْبِقُ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ، وَلَوْ أَدَّتْ إلَى الْمُكَاتَبِ فَعَتَقَتْ قَبْلَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ كَانَ وَلَاؤُهَا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْوَلَاءُ فَيَخْلُفُهُ مَوْلَاهُ فِي ذَلِكَ فَهَذَا مِثْلُهُ؛ وَلِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَمْ يُعْتَقْ قَبْلَهَا، وَمَا لَمْ يُعْتَقْ قَبْلَهَا لَا يَكُونُ هُوَ أَهْلًا لِوَلَائِهَا، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ أَنْ يُعْتَقَ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِيهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ حَقُّ غُرَمَائِهِ، وَكَمَا لَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى أَنْ يُعْتِقَ كَسْبَهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِلْعَبْدِ فِيهِ، أَوْ يُنِيبَهُ مَنَابَ نَفْسِهِ وَإِنْ فَعَلَ، وَالدَّيْنُ عَلَى الْعَبْدِ يُحِيطُ بِكَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ فَفِي نُفُوذِهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى هَلْ يَمْلِكُ كَسْبَ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَأْذُونِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ ذَلِكَ مِنْهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ كَسْبَهُ خَالِصُ مَالِهِ، فَيَمْلِكُ أَنْ يُنِيبَ الْعَبْدَ مَنَابَ نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ فَإِنْ كَاتَبَ عَبْدًا بِإِذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْمُكَاتَبَةَ عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى دُونَ الْعَبْدِ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَانَ نَائِبًا عَنْ الْمَوْلَى فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ كَالْوَكِيلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْهُ فَإِنَّمَا عَتَقَ عِنْدَ الْأَدَاءِ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى، وَلِهَذَا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ.
وَهَذَا بِخِلَافِ مُكَاتَبِ الْمَكَاتِبِ إذَا أَدَّى بَعْدَمَا أَعْتَقَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مُكَاتَبٌ مِنْ جِهَةِ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ حَقِّ الْمِلْكِ الَّذِي لَهُ فِي كَسْبِهِ وَقَدْ انْقَلَبَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ حَقِيقَةَ مِلْكٍ، وَكَانَ حَقُّ قَبْضِ الْبَدَلِ لَهُ فَإِنَّمَا عَتَقَ عَلَى مِلْكِ الْأَوَّلِ فَكَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِي كَسْبِهِ مِلْكٌ وَلَا حَقٌّ، وَبَعْدَ عِتْقِهِ يَكُونُ كَسْبُهُ الَّذِي اكْتَسَبَهُ فِي حَالَةِ الرِّقِّ لِمَوْلَاهُ، وَلِلصَّبِيِّ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ بِإِذْنِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ وَلِيَّهُ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الْكِتَابَةِ فِي عَبْدِهِ دُونَ الْعِتْقِ بِمَالٍ، فَكَذَلِكَ يَصِحُّ إذْنُهُ فِي الْكِتَابَةِ دُونَ الْعِتْقِ بِمَالٍ، وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ إلَيْهِ الْبَدَلَ فَوَلَاؤُهُ لِلصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ وَلَاءِ الْعِتْقِ فَكَذَلِكَ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ لِلصَّبِيِّ أَنْ يَقْبَلَ وَلَاءَ مَنْ يُوَالِيهِ بِإِذْنِ وَصِيِّهِ أَوْ أَبِيهِ، وَلَهُمَا أَنْ يَقْبَلَا عَلَيْهِ هَذَا الْوَلَاءَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عَقْدَ الْوَلَاءِ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَضَرَّةِ، وَمَعْنَى الْمَنْفَعَةِ فِيهِ أَظْهَرُ وَمِثْلُ هَذَا الْعَقْدِ يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّبِيِّ، وَيَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَيَّدُ رَأْيُهُ بِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ إلَيْهِ كَمَا فِي التِّجَارَاتِ.
وَإِنْ أَسْلَمَ صَبِيٌّ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ وَوَالَاهُ لَمْ يَجُزْ عَقْدُ الْمُوَالَاةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِبْدَادِ بِاعْتِبَارِ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزُ يَثْبُتُ فِيمَا يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةٌ لَهُ دُونَ مَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَضَرَّةِ، وَالْإِسْلَامُ يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةً لَهُ فَيَصِحُّ مِنْهُ، وَأَمَّا عَقْدُ الْوَلَاءِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَضَرَّةِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ مُبَاشَرَتُهُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ رَأْيُ وَلِيِّهِ إلَى رَأْيِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ فَعَلَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِإِسْلَامِهِ فَلَا وِلَايَةَ لِلْأَبِ الْكَافِرِ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ مِنْهُ فِي مُبَاشَرَةِ هَذَا الْعَقْدِ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ فِي الْإِذْنِ لَهُ فِيهِ.
وَإِنْ أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهُ لِمَا فِي بَطْنِ امْرَأَتِهِ، أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَوَّلِ وَلَدٍ تَلِدُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَى مَا فِي الْبَطْنِ فِي إيجَابِ الْعَقْدِ وَلَا فِي قَبُولِهِ، وَبِدُونِهِ لَا يَثْبُتُ عَقْدُ الْوَلَاءِ فَلِهَذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْمَوْجُودِ فِي الْبَطْنِ هَذَا فَفِي الْمَعْدُومِ أَصْلًا أَوْلَى.
رَجُلٌ أَعْطَى رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ عَنْ ابْنِ الْمُعْطِي وَهُوَ صَغِيرٌ فَفَعَلَ فَالْعِتْقُ عَنْ الْمَوْلَى الَّذِي أَعْتَقَ، وَلَا يَكُونُ عَنْ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْعِتْقِ فِي مِلْكِهِ، وَلَا لِوَلِيِّهِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ إضْمَارُ التَّمْلِيكِ مِنْ الصَّبِيِّ فِي هَذَا الِالْتِمَاسِ؛ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ لِتَصْحِيحِ مَا صَرَّحَ بِهِ إنْ أَعْتَقَهُ، فَيَكُونُ الْعِتْقُ عَنْهُ وَيَرُدُّ الْأَلْفَ إنْ كَانَ قَبَضَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِضْمَارِ لَمْ يَكُنْ فِي الْإِضْمَارِ تَصْحِيحُ مَا صَرَّحَ بِهِ، فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِهِ وَلَا يُمْكِنُ إضْمَارُ التَّمْلِيكِ مِنْ الْمُعْطِي لِلْمَالِ فِي كَلَامِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَمَسَ إعْتَاقَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَالتَّمْلِيكُ فِي ضِمْنِ هَذَا الِالْتِمَاسِ فَظَهَرَ أَنَّ الْعَبْدَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَوْلَاهُ إلَى أَنْ أَعْتَقَهُ فَيَكُونُ الْعِتْقُ عَنْهُ، وَيَرُدُّ الْأَلْفَ إنْ كَانَ قَبَضَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْآمِرُ بِذَلِكَ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا تَاجِرًا بِأَنْ قَالَ لِحُرٍّ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إضْمَارِ التَّمْلِيكِ هُنَا تَصْحِيحُ مَا صَرَّحَ بِهِ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ وَالْعَبْدَ لَيْسَ لَهُمَا أَهْلِيَّةُ الْعِتْقِ فِي كَسْبِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لِلصَّبِيِّ فَقَالَ رَجُلٌ لِأَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ: أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَهُ الْأَبُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُمَلِّكًا الْعَبْدَ مِنْ الْمُلْتَمِسِ بِالْأَلْفِ، ثُمَّ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْعِتْقِ وَلِلْوَلِيِّ حَقُّ هَذَا التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ كَالْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ لِمُكَاتَبٍ أَوْ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ عَبْدٌ فَقَالَ: أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُمَلِّكًا الْعَبْدَ مِنْهُ بِأَلْفٍ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ فِي كَسْبِهِمَا، ثُمَّ يَنُوبُ عَنْ الْمُلْتَمِسِ فِي الْعِتْقِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُمَا أَيْضًا، وَإِنْ قَالَ: ذَلِكَ مُكَاتَبٌ لِمُكَاتِبٍ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّ إضْمَارَ التَّمْلِيكِ إنَّمَا يَجُوزُ لِتَصْحِيحِ مَا صَرَّحَ بِهِ، وَالْمُكَاتَبُ الْمُلْتَمِسُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْعِتْقِ، فَلَمَّا ثَبَتَ التَّمْلِيكُ مِنْهُ بِهَذَا الِالْتِمَاسِ بَقِيَ الْمَأْمُورُ مُعْتِقًا مِلْكَ نَفْسِهِ، وَهُوَ مُكَاتَبٌ فَيَكُونُ الْإِعْتَاقُ بَاطِلًا.
وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

.بَابُ الْوَلَاءِ الْمَوْقُوفِ:

(قَالَ): رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا، ثُمَّ شَهِدَ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ فَهُوَ حُرٌّ، وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ إذَا جَحَدَ ذَلِكَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَالِكٌ لَهُ فِي الظَّاهِرِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ بِعِتْقٍ نَفَذَ فِيهِ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ، وَلَوْ أَنْشَأَ فِيهِ عِتْقًا نَفَذَ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ، ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفِي الْوَلَاءَ عَنْ نَفْسِهِ، فَالْبَائِعُ يَقُولُ: الْمُشْتَرِي كَاذِبٌ وَإِنَّمَا عَتَقَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ، وَالْمُشْتَرِي يَقُولُ: عَتَقَ عَلَى الْبَائِعِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وِلَايَةُ إلْزَامِ صَاحِبِ الْوَلَاءِ فَبَقِيَ مَوْقُوفًا، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْوَلَاءُ وَرَدُّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ، وَأَنَّهُ كَانَ حُرًّا مِنْ جِهَتِهِ حِينَ بَاعَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ صَدَّقَهُ وَرَثَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَمَّا فِي حَقِّ رَدِّ الثَّمَنِ؛ فَلِأَنَّهُ أَوْجَبَ مِنْ التَّرِكَةِ، وَالتَّرِكَةُ حَقُّهُمْ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْوَلَاءِ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُلْزِمُونَ الْمَيِّتَ وَلَاءً قَدْ أَنْكَرَهُ، وَلَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ وِلَايَةُ إلْزَامِ الْوَلَاءِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَعْتَقُوا عَنْهُ عَبْدًا لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَاؤُهُ، فَكَذَلِكَ هَذَا، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: وَرَثَتُهُ يَخْلُفُونَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَيَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي حُقُوقِهِ فَيَكُونُ تَصْدِيقُهُمْ كَتَصْدِيقِهِ فِي حَيَاتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي النَّسَبِ يُجْعَلُ إقْرَارُ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانُوا عَدَدًا كَإِقْرَارِ الْمُورِثِ، فَكَذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ، وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِالتَّدْبِيرِ فَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ فَهُوَ مَوْقُوفٌ لَا يَخْدُمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَبَرَّأَ عَنْ خِدْمَتِهِ، وَلَكِنَّهُ يَكْتَسِبُ فَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا مَاتَ الْبَائِعُ عَتَقَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُقِرٌّ أَنَّهُ مُدَبَّرُ الْبَائِعِ قَدْ عَتَقَ بِمَوْتِهِ، وَالْبَائِعُ كَانَ مُقِرًّا أَنَّهُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي، وَأَنَّ إقْرَارَهُ فِيهِ نَافِذٌ فَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ، وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَرَثَةُ لَزِمَ الْوَلَاءُ الْبَائِعَ اسْتِحْسَانًا لِمَا قُلْنَا.
أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْ صَاحِبِهِ، وَصَاحِبُهُ يُنْكِرُ، فَإِنَّهَا تَبْقَى مَوْقُوفَةً لَا تَخْدُمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَبَرَّأُ عَنْهَا، وَيَزْعُمُ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ صَاحِبِهِ، وَأَنَّ حَقَّهُ فِي ضَمَانِ نِصْفِ الْقِيمَةِ عَلَى صَاحِبِهِ فَتَبْقَى مَوْقُوفَةً حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ؛ لِأَنَّ الْحَيَّ مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِأَنَّهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمَيِّتِ، وَقَدْ أُعْتِقَتْ بِمَوْتِهِ، وَالْمَيِّتُ مِنْهُمَا كَانَ مُقِرًّا بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ الْحَيِّ، وَأَنَّ إقْرَارَهُ فِيهَا نَافِذٌ فَيُعْتَقُ بِاتِّفَاقِهِمَا، وَوَلَاؤُهَا مَوْقُوفٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ.
أَمَةٌ لِرَجُلٍ مَعْرُوفَةٌ أَنَّهَا لَهُ، وَلَدَتْ مِنْ آخَرَ، فَقَالَ رَبُّ الْأَمَةِ: بِعْتُكهَا بِأَلْفٍ وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ زَوَّجْتَنِيهَا، فَالْوَلَدُ حُرٌّ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ وَالِدِهِ أَنَّهُ مِلْكٌ لِمَوْلَى الْأَمَةِ، فَإِنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ، وَمَوْلَى الْأَمَةِ يَزْعُمُ أَنَّهُ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ أَبِ الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا اسْتَوْلَدَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَيُثْبِتُ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ إقْرَارِ مَوْلَى الْأَمَةِ بِهِ، وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ؛ لِأَنَّ مَوْلَى الْأَمَةِ يَنْفِي وَلَاءَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَقُولُ هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ عَلَقَ فِي مِلْكِ أَبِيهِ، وَالْجَارِيَةُ مَوْقُوفَةٌ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَطَؤُهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا وَلَا يَسْتَغِلُّهَا؛ لِأَنَّ أَبَ الْوَلَدِ يَتَبَرَّأُ عَنْهَا لِإِنْكَارِهِ الشِّرَاءَ، وَيَزْعُمُ أَنَّهَا أَمَةٌ لِمَوْلَاهَا، وَمَوْلَاهَا يَقُولُ: هِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِأَبِ الْوَلَدِ؛ لِأَنِّي قَدْ بِعْتهَا مِنْهُ، فَتَبْقَى مَوْقُوفَةً بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ مَوْلَاهَا أَقَرَّ بِذَلِكَ، وَأَبُ الْوَلَدِ مُقِرٌّ بِأَنَّ إقْرَارَ مَوْلَاهَا فِيهَا نَافِذٌ، فَإِذَا مَاتَ أَبُ الْوَلَدِ عَتَقَتْ؛ لِأَنَّ مَوْلَاهَا مُقِرٌّ بِأَنَّهَا عَتَقَتْ بَعْدَ مَوْتِ أَبِ الْوَلَدِ؛ لِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ وَأَبُ الْوَلَدِ كَانَ مُقِرًّا بِأَنَّ إقْرَارَ مَوْلَاهَا فِيهَا نَافِذٌ، فَلِهَذَا عَتَقَتْ، وَوَلَاؤُهَا مَوْقُوفٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَأْخُذُ الْبَائِعُ الْعُقْرَ مِنْ أَبِ الْوَلَدِ قِصَاصًا مِنْ الثَّمَنِ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى وُجُوبِ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمَالِ لَهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ أَبَ الْوَلَدِ يَزْعُمُ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا بِالنِّكَاحِ فَعَلَيْهِ صَدَاقُهَا لِمَوْلَاهَا، وَمَوْلَاهَا يَزْعُمُ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْهُ فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَبَعْدَ مَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ لَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُهُمَا فِي السَّبَبِ، وَلَكِنْ يُؤْمَرُ مَنْ عَلَيْهِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِيهِ، وَيَقْبِضُهُ الْآخَرُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ وَاجِبٌ لَهُ.
رَجُل أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ، وَلَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ، فَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ فِي الْقِيَاسِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُلْزِمَ وَلَاءَهُ أَبَاهُ بِإِنْشَاءِ الْعِتْقِ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ؛ لِكَوْنِهِ مُتَّهَمًا فِي حَقِّ أَبِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَبِإِقْرَارِ الْوَارِثِ إذَا كَانَ وَاحِدًا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ عَنْ أَبِيهِ، فَكَذَلِكَ لَا يُثْبِتُ الْوَلَاءَ لَهُ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ وَأَلْزَمَ وَلَاءَهُ الْأَبَ إذَا كَانَ عَصَبَتُهُمَا وَاحِدًا، وَقَوْمُهُمَا مِنْ حَيٍّ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ أَثَرُ الْمِلْكِ، وَإِقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الْمِلْكِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ كَإِقْرَارِ الْأَبِ لَهُ فِي حَيَاتِهِ، فَكَذَلِكَ فِي أَثَرِهِ ثُمَّ الْإِرْثُ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْوَلَاءِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلِابْنِ الْمُقِرِّ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ بِنَفْسِهِ، وَعَقْدُ الْجِنَايَةِ يَكُونُ عَلَى قَوْمِهِ.
فَإِذَا كَانَا مِنْ حَيٍّ وَاحِدٍ فَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ قَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْشَأَ عِتْقَهُ بِنَفْسِهِ يَلْزَمُهُمْ عَقْلُ جِنَايَتِهِ، فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى أَبِيهِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ قَدْ أَعْتَقَهُ قَوْمٌ، وَالِابْنَ آخَرُونَ فَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمُ فِي حَقِّ مَوَالِي الْأَبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُلْزِمَهُمْ عَقْلَ جِنَايَتِهِ بِإِنْشَاءِ الْعِتْقِ، فَيَكُونُ مُتَّهَمًا فِي الْإِقْرَارِ بِهِ، وَهَذَا الْفَصْلُ نَظِيرُ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إثْبَاتَ حُكْمِهِ فِي حَقِّ الْأَبِ وَقَوْمِهِ بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ابْنٌ آخَرُ فَكَذَّبَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ مَمْلُوكٌ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ أَفْسَدَهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ كَاذِبًا، وَلَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ ضَامِنًا كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَى شَرِيكِهِ بِالْعِتْقِ بَلْ احْتَبَسَ نَصِيبَهُ عِنْدَ الْعَبْدِ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَاءُ هَذَا النِّصْفِ لِلَّذِي اسْتَسْعَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِيهِ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِ بِأَدَاءِ السِّعَايَةِ، وَوَلَاءُ النِّصْفِ الْآخَرِ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْمُقِرَّ يَزْعُمُ أَنَّ وَلَاءَ الْكُلِّ لِلْمَيِّتِ، وَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ فِيمَا هُوَ مِنْ حَقِّهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَلِهَذَا جَعَلْنَا وَلَاءَ حِصَّتِهِ لِلْمَيِّتِ إذَا كَانَ قَوْمُهُمَا وَاحِدًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَاءُ النِّصْفِ الَّذِي هُوَ نَصِيبُ الْمُقِرِّ لِلْمَيِّتِ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا، وَوَلَاءُ النِّصْفِ الَّذِي اسْتَسْعَاهُ مَوْقُوفٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ، فَاَلَّذِي اسْتَسْعَاهُ يَتَبَرَّأُ مِنْ الْوَلَاءِ وَيَقُولُ: إنَّمَا عَتَقَ هَذَا النِّصْفُ بِإِقْرَارِ شَرِيكِي؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ كَالْعِتْقِ فَالْوَلَاءُ فِي الْكُلِّ لَهُ، وَالْمُقِرُّ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَلْ هُوَ لِلْمَيِّتِ، فَيَتَعَارَضُ قَوْلُهُمَا فِي نَصِيبِ الَّذِي اسْتَسْعَاهُ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا حَتَّى يَرْجِعَ أَحَدُهُمَا إلَى تَصْدِيقِ صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ فَأَقَرَّتْ مِنْهُمْ بِذَلِكَ، (فَإِنْ قِيلَ): عَلَى قَوْلِهِمَا لَمَّا أَقَرَّ الْمُسْتَسْعَى بِوَلَاءِ نَصِيبِهِ لِصَاحِبِهِ، وَصَاحِبُهُ مُقِرٌّ بِهِ لِلْمَيِّتِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ وَلَاءُ الْعَبْدِ كُلُّهُ مِنْ الْمَيِّتِ.
(قُلْنَا): نَعَمْ وَلَكِنْ مِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ كُلِّ الْوَلَاءِ مِنْ الْمَيِّتِ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ عِتْقٌ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ يُسْقِطُ حَقَّ الْمُسْتَسْعَى فِي السِّعَايَةِ، فَلِإِبْقَاءِ حَقِّهِ فِي السِّعَايَةِ جَعَلْنَا وَلَاءَ هَذَا النِّصْفِ مَوْقُوفًا.
عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، قَالَ أَحَدُهُمَا: إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ أَمْسِ الْمَسْجِدَ فَهُوَ حُرٌّ، وَقَالَ الْآخَرُ: إنْ كَانَ دَخَلَ فَهُوَ حُرٌّ.
قَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ فِي الْإِسْقَاطِ نِصْفُ السِّعَايَةِ عَنْ الْمَمْلُوكِ أَعَادَهَا لِبَيَانِ حُكْمِ الْوَلَاءِ، وَهُوَ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ عِتْقٌ عَلَى مِلْكِهِ بِاعْتِبَارِ مَا أَدَّى إلَيْهِ مِنْ السِّعَايَةِ وَمَا سَقَطَ بِإِسْقَاطِهِ، لَا بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ، فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَاءُ نَصِيبِهِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ حَانِثٌ، وَأَنَّ الْكُلَّ عِتْقٌ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُ لَا يَتَجَزَّأُ فَلِهَذَا كَانَ الْوَلَاءُ مَوْقُوفًا، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ كَامِلَةً لَهُمَا، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَتَجَزَّأُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ حَانِثٌ، وَأَنَّ الْوَلَاءَ كُلَّهُ لَهُ، فَلِهَذَا يَتَوَقَّفُ الْوَلَاءُ، وَكُلُّ وَلَاءٍ مَوْقُوفٌ فَمِيرَاثُهُ يُوقَفُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لِصَاحِبِ الْوَلَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَالْمَالُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ مُسْتَحِقُّهُ يُوقَفُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى يَظْهَرَ مُسْتَحِقُّهُ، وَجِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَعْقِلُ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لَا يَرِثُ مَالَهُ إنَّمَا يُوقَفُ الْمَالُ فِيهِ لِيَظْهَرَ مُسْتَحِقُّهُ، فَلَا يَعْقِلُ جِنَايَتَهُ أَيْضًا؛ وَهَذَا لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ إنَّمَا يَعْقِلُ جِنَايَةَ مَنْ يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ عَلَيْهِ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ لَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَنَحْنُ نَتَيَقَّنُ أَنَّ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ وَلَاءَ عَتَاقَةٍ، فَلِهَذَا لَا يُجْعَلُ عَقْلُ جِنَايَتِهِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ.
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.